الأب ..
في صغري ، كنت أتحرك هنا وهناك ، تارة أركض وتارة أركب الدراجة الهوائية ، يلاحقني أبي من مكان لآخر ، لا أتذكر يوماً بأنه زجرني أو منعني من الحرية في الحركة ، وحينما كبرت ، عرفت بأن ملاحقة أبي لي كانت كي أظل تحت ناظريه ليتأكد بأنني بأمان ، صرت أعرف بأنه وحينما كنت أركض أو راكباً للدراجة كان ينظر لي وهو متأهب بأن ينطلق لانتشالي في أية لحظة يراني فيها على شفا السقوط .
في صغري ، كنت أحب الحديث مع كل من حولي ، وعلى رأسهم أبي بعد أن يعود من العمل ، عن أحداث حصلت معي في المدرسة ، قصص أطفال لا يتجاوز أعمارهم ال١٠ سنوات مثلاً ، كان أبي يستمع لي ، بل ويسألني لمزيد من التفاصيل ، ويناقشني في بعض الأمور ، وحينما كبرت ، عرفت بأن أبي وبعد يوم عمل طويل ، كان يستمع لي رغم تعبه ، رغم حالته النفسية التي ربما تكون غير مناسبة بسبب ظروف العمل ومشكلاته وضغوطه ، عرفت بأنه كان يناقشني ويسألني حتى يزيدني مصطلحات ، يزيدني ثقافة بطرق التعامل مع الظروف ، يزيدني ثقة بنفسي ، رغم أنه قد يكون مستنفذ القوى والطاقة بسبب الإرهاق الكامل .
في صغري ، كنت أراقب أبي وهو يتجول في المنزل ، يتأكد من سلامة كل شيء قبل النوم ، وحينما كبرت عرفت بأنه لم يكن يتأكد من كل ذلك لسلامته هو ، بل كان يتأكد من كل شيء بأنه مثالي لسلامتنا نحن .
في صغري ، كنت أظن بأن (الأب) هي صفة عادية اعتيادية ، مجرد لقب يسمى به والد الطفل ، صفة عادية وحينما كبرت ، عندما شعرت ، اكتشفت بأن (الأب) هي مسمى لمنزلة سامية ، كل كلمات اللغة تعجز عن وصف حجم هذه المنزلة ، تعجز عن وصف حجم المسؤولية الملقاة على عاتق هذه المنزلة .
شكراً أبي ... شكراً لكل آباء هذا العالم
الذين فهموا دورهم على أكمل وجه ، واحترقوا ويحترقون كل يوم في سبيل أن يسمو أبناءهم بعلمهم وتربيتهم وأخلاقهم ..
والرحمة لكل الآباء الذين رحلوا عن هذا العالم ، تاركين أثراً ومثالاً يحتذى به في أبناءهم ، مؤسسي آباء الأجيال القادمة ....
م.ي
19/3/2023
الأب / أبي / كلمات عن الأب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق