بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 17 فبراير 2023

أزمة المحامين والمعلمين وكل البلاد في فلسطين // محمد عمار ياسين

#مع_المحامي_الفلسطيني ، #مع_المعلم_الفلسطيني .. ✌️🇵🇸
بخصوص المحامين والمعلمين وأزمة الموظفين وأزمة البلاد بشكل عام 👇
من الممكن أن أتفهم وجود ضائقة مالية تمر فيها الحكومة ، ولكن الذي لا أستطيع استيعابه هو أن تعطي الحكومة للموظف راتب 80% ومنذ فترة طويلة ، وبالمقابل ترفع رسوم المحاكم بنسبة تجاوز بعضها 400% ، علماً بأن التقاضي يجب أن يكون في متناول الجميع كونه حق من الحقوق المكفولة في القانون الأساسي الفلسطيني ، ناهيك عن أن الذي يأخذ راتبه بنسبة 80% ، يقوم بدفع فاتوره هاتفه والانترنت بنسبة 100% ، وفاتورة المياه بنسبة 100% ، وفاتورة الكهرباء بنسبة 100% ، يدفع 100% للغاز أيضاً ، يدفع للبنك 100% ، يدفع لكل احتياجاته الأساسية من مأكل وتنقل وغيرها بنسبة 100% ، في ظل عدم إصدار أية تعميمات من الحكومة لمقدمي الخدمات الأساسية ليتقاضوا نسبة أقل من مديونيتهم على الموظف ، والأدهى من ذلك وأمر ، الأسعار بارتفاع مستمر وسريع ، دون أي إجراءات من الحكومة لكبح جماح الغلاء أو على الأقل السيطرة عليه ..... علماً بأننا جميعنا يعلم ماذا يدور في الطبقة المخملية للحكومة التي لا تهزّها أية أزمة مالية ..
كل ذلك ويصبح من يطالب بحقوقه ، وينادي بالقضاء المجاني ، وانخفاض الأسعار ، وكل حق مستحق له كمواطن ، يصبح مدسوس صاحب أجندات خارجية خائن للوطن .....
لا أنا ولا أي من المحامين ولا أي من معلمينا الأفاضل خائنين للوطن ، نحمل الوطن على أكتافنا ونجوع جميعنا ليحيا الوطن حراً ، ولكن اتهامنا بهذه الاتهامات في كل مناسبة لن يحل المشكلة ، بل سيزيدها تعقيداً ، والماضي خير دليل على صحة كلامي ....

المحامي محمد عمار ياسين 17/2/2023

الخميس، 9 فبراير 2023

السعادة // محمد عمار ياسين

لولا الحزن لما عرفنا قيمة السعادة ، وإن فقدت السعادة ابحث عنها ، وإن لم تجدها ... أوجدها ، ابتكرها ، اخترعها ، اختلقها .

السبت، 4 فبراير 2023

رواية // محمد عمار ياسين

في داخل كل واحدٍ منا رواية ، والكاتب فقط يعيش هذه الرواية بكل حواسه ، وهو صاحب السلطة العليا عليها ، فـ قد يغتال فيها البطل ، أو يقدّسه ، وقد يغتال فيها نفسه ... أو يقدسها ، قد يجعل من أحداثها أجراساً جنائزية تواسي خيبته إلى الأبد ، أو قد يجعل منها ترانيم يحتفل فيها بنشوته الخالدة ....

الجمعة، 3 فبراير 2023

نصف الأشياء // محمد عمار ياسين

أكره اللون #الرمادي ، لا لشيءٍ سوى لأنني أعتبره لون التردد ، وأنصاف الاختيارات والمواقف ، فاختيارات الإنسان ومواقفه في حياته يجب أن تكون #بيضاء أو #سوداء ، ففي كلتا الحالتين وبغض النظر عن اختياره أو موقفه -أبيض كان أو أسود- ، سيجد الشخص الرّاحة لنفسه ... ولغيره ممن حوله ،،

أذواق // محمد عمار ياسين

احترموا أذواق بعضكم البعض ..
كلنا لنا أذواق معينة ، نرتاح لبعض الأمور راحة كبرى ، على الرغم من بساطتها ، مثلاً .. البعض منا يفضل فنجان قهوته بلا سكر وآخر مع السكر ، البعض يفضل الكابوتشينو على القهوة ، يشربه على أنغام موسيقى معينة ، أو في مكان معين ، البعض منا يرتاح بقراءة مواضيع معينة ، بمتابعة أخبار معينة ، بممارسة رياضة معينة ، البعض منا له طقوس معينة في الأكل ، طقوس معينة في الجلوس أو حتى في النوم ، البعض منا يرتاح لأماكن على حساب أماكن أخرى لا يحبذها ، كلنا لنا مزاج معين ، كلنا لنا طقوس خاصة لكثير من الأمور في حياتنا ، نرتاح لبعض الأمور ونتضايق لأمور أخرى ...

لنحترم أذواق وأمزجة بعضنا ، فـ قد يكون مستحيلاً أن يملك اثنان نفس الذوق أو الأمزجة نفسها دون أي فارق ..

تيه // محمد عمار ياسين

أحياناً قد لا تفهم شيئاً مما يدور من حولك ، لا لشيءٍ سوى لأنك غير قادر على استيعاب ما حصل أو يحصل ، كـ ليلةٍ تاه عنها بدرها ، كـ الموج الذي ارتفع فلما عاد ... لم يجد بحره ، كحديقةٍ استيقظت فلم تجد زهرها ..

الكلمة // محمد عمار ياسين

حركة قد لا تتعدى سنتيمترات معدودة في طبقات الأرض قد تتسبب في زلزال مدمر ، وبالمقابل عدة نحلات أو نسمة رياح كفيلة بأن تحول أرض جرداء إلى غابة مخضرّة ..
وهكذا الكلمة ...
وشوشة خبيثة قد تجعلك تتمنى أن لا وجود لك على هذه الأرض حزناً وكمداً ، وهمسة طيبة تجعلك تشعر وكأنك تملك هذه الأرض سعادةً وفرحاً ...

أما الموت // محمد عمار ياسين

أما الموت ،،،
ربما هو الشيء الوحيد الذي لن تفيدك في وصفه كل معاجم اللغة ، تقف الحروف أمام هيبة الحدث في وجل وصمت ، لا كلام يصف حال من فقد عزيزاً ، ولا تستطيع الحروف المواساة وإن خرجت خجولة ، فـ كيف لحرفٍ أن يواسي ، وهو يحتاج لغات الأرض جمعاء لمواساته !!؟

التمس العذر // محمد عمار ياسين

أنت بشر يواجه من الظروف ما طال منها وما قصر ، ما عَظُم منها وما صغر ، وغيرك بشر أيضاً يواجه ظروفاً ربما مثلك وربما أكثر ،،
مثلما تبرر وتجد الأعذار لنفسك ، برّر لغيرك والتمس لهم مليون عذرا ....

الإساءة // محمد عمار ياسين

تبقى الإساءة غير متعمدة حتى تتكرر فتصبح مقصودة ، وحين يُخلق لها ألف مبرر ، أصبحت نهج ، ونهج الإساءة غير محمود ، فلا دين له ، ولا تربية فيه ، ولا ثقافة فيه ...

الضباب // محمد عمار ياسين

أحياناًَ يكون الضّباب جزء من الذات البشرية لا طقساً نمرّ فيه خلال يومنا ، فـ كم من البشر يعاني من ضبابيّة الموقف ، ضبابيّة التفكير ، أو حتّى ضبابيّة المشاعر ......

الراحلين // محمد عمار ياسين

انظر للراحلين عنك مثل نظرتك للمقبلين إليك ، فـ كل مقبلٍ إليك، راحلٌ عنك يوماً ما ...

أقدار // محمد عمار ياسين

نحن من يختار أقدارنا ، وليس في ذلك أي مخالفة لديانة أو منطق ، ولا تحدٍّ للقدرة الإلهية ، فهي التي وضعتنا مسيّرين ومخيّرين على هذه الأرض في هذه الحياة ، نختار سبيلنا برعايتها ما بين الأضداد ، ما بين الصواب والخطأ ، ما بين النور والظلام ، ما بين الحب والكراهية .... ولكل خيار عاقبته ،،،،،

اقتباس (2) من رواية قيد الكتابة // محمد عمار ياسين

صمت لساعات ، وأولى عباراته كانت :
"أنا أبحث عن مختل عقلياً كي أجالسه ، أتحدث أنا وهو يضحك ، وأستمر بالحديث ويستمر هو بالضحك، حتى أنسى ما بداخلي من أثقال ، أو على الأقل أشعر بسخافتها فيسهل عليّ حملها" ..

عباراته تلك وضعت الحاضرين في حيرة من أمرهم ، هل من أمامهم مختل؟! ، أم يمر في لحظات من الجنون أو العته ربما؟! ، أم هل هو شخص أرهقته الأيام بسكّانها أصحاب العقول ، وبات يبحث عن آخرين بلا عقل ، لعله يجد معهم شيئاً من العقلانية ، حتى لو كانت عقلانية مختلة ، فهي تبقى أفضل من سكّان أيامه المعتادين!!!!

اقتباس من روايتي التي أعمل عليها 👇
#قيد_الكتابة

اقتباس من رواية (قيد الكتابة) // محمد عمار ياسين

وقف جامداً للحظات ، يفكر فيما سـ يقوله ، تارة يهم لقول أحاديث غاضبة قد لا يحمد عقباها ، ثم يتمهّل تاركاً للصمت وقته ، لعلّه يجد له مهرباً من الحديث دون أن يتورّط في الكلام المحظور ، يسود الصّمت ، تهرب الكلمات ، ويرحل في صمتٍ يشبه الصمت الذي خلق له منفذ الهروب ، يرحل وجمر الغضب ما زال مشتعلاً يغشاه رماد "الاحترام" .....

من روايتي "قيد الكتابة" 
محمد عمار ياسين

مرحلة الاكتفاء (6) // لـ محمد عمار ياسين

مرحلة الاكتفاء ((6))
محمد عمار ياسين

ستتراكم لديك الرسائل غير المقروءة على تطبيقات التواصل الاجتماعي ، ربما تتعدى ال1000 رسالة مهملة وعشرات المكالمات التي لم يرد عليها ((فيس وواتس)) ، ليس تقليلاً من شأن مرسليها ، ولا لعدم أهمية موضوعها ، إنما فقط لأنك مللت هذه التطبيقات ، ورسائلها ومكالماتها ، وتريد تواصلاً أكثر واقعية ، لقاءاً وجهاً لوجه ، أو مكالمة تلفونية حقيقية مثلاً ، أو حتى رسائل ورقية في البريد ، بل وأكثر من ذلك ، لو كان ما زال يوجد حماماً زاجلاً وكان لا يزال يوجد من يتعامل معه ، فـ لا بأس برسالة عن طريقِ حمامةٍ زاجلة ، تزور نافذتي لتُعلِمني برسالتك ، بهذه الطريقة ستعرف من يرسل لك لمجرد أنه يريد أن يرسل ، ومن يرسل إليك لأنك تعني له شيئاً ، وهو على استعداد لتحمل عناء هذه الرسالة حتى تصلك ...

مرحلة الاكتفاء (5) // لـ محمد عمار ياسين

مرحلة الاكتفاء ((٥))
محمد عمار ياسين

يوماً ما ، ستجد نفسك كثير السهر ، قليل النوم ، كثير التفكير عميق المنطق ، قليل اللجوء إلى قلبك سطحي المشاعر ، بحيث تجد بأنك لا تكره ولا تحب ، لست متفائلاً ولا متشائم ، لست يائساً ولا متأمّل ، ربما لأن الروتين بات يسرقك من نفسك شيئاً فشيئاً ، ربما لأن اللجوء للمشاعر التي نعرفها لا يغني ولا يسمن من جوعٍ هذه الأيام ، وربما لأنك اعتدت التبرير سواء في مجال عملك أو غيره ، والتبرير لا يحتاج إلى مشاعر ، بقدر ما يحتاج إلى الحجة والمنطق ، ربما .. ربما .. ربما .. كل الرّبمات مطروحة ، وقد يكون الصحيح منها ربما واحدة ، أو مئة ربما .

 الجميل في الأمر أنك وقتها ستجد بأنه ومهما كانت أي ربما هي الصحيحة ، ستجد بأنك دخلتها دخول المكره بدايةً ، إلا أنك بعدها وجدت منها سبباً لمهربٍ إلى ذاتك ، للاكتفاء بها ، دون الحاجة لغيرها ، فأنت حينما تسهر ستسهر لذاتك ربما لتختلي بنفسك ، تحادثها وتحادثك ، وتسألها وتسألك ، تجيبها وتجيبك ، تكتشف فيها ذاتك ، وذاتك تكتشفك ، وربما ستسهر فقط بسبب لا شيء ، فقط السهر كونه لا يقصر العمر ، والنوم لا يطيله ، ومبدأك الوحيد هو ما أشار له الخيام في رباعياته حينما قال :
فما أطال النومُ عمراً .. ولا قصّر في الأعمار طول السهر

وحينما تترك المجال لمشاعرك أن تضمحل وسط بحور العقل والمنطق أنت ها هنا أيضاً رابح ، فـ لو أنك ستشعر بكل شيء ، لن تعيش ، فـ مثلاً حينما تيأس وتتشائم ستموت يأساً وتفكيراً سوداوياً ، وحينما تتأمل وتتفائل ستقتلك الخيبة .

أسعد نفسك بنفسك ، وادخل #مرحلة_الاكتفاء وابحر في طياتها قدر استطاعتك ..

محمد ياسين ©️
25/8/2021
12:25 AM

مرحلة الاكتفاء (4) / لـ محمد عمار ياسين

مرحلة الاكتفاء (4)
محمد عمار ياسين

وتمضي الأيام ، ومع كل يوم يمضي ، سـ تجد بأنك تميل للحسم في كل شيء ، فـ مزاجك العام لم يعد يتقبل الألوان الرمادية في القرارات ، ولا التردد في أخذ تلك القرارات ، سـ تصبح تميل دوماً لكلمتين فقط وهما (نعم) و (لا) ، هما الكلمتين فقط اللتين تهدئان من فوضى التفكير التي أنت في وسطها، أو على الأقل لا تزيدها ، وتغيظك باقي الردود والكلمات ، من نوع (لا أعرف) ، (ربّما) .... وغيرها من الكلمات التي لا تعطي جواباً ، إنما تعطيك سؤالاً -ليس واضحاً- ، للجواب على سؤالك ، أو تعطيك جواباً مزدوجاً ، فمثل تلك الأجوبة ضبابية، نصفها (نعم) ونصفها (لا) في آن معاً ، وفي بعض الأحيان تستذكر ما قاله جبران خليل جبران :
"... النصف هو أن تصل وأن لا تصل، أن تعمل وأن لا تعمل، أن تغيب وأن تحضر ..."
ليزيد إصرارك على الحسم في كل شيء ، كون أن الأمور لا تستقيم مع ذاتك في تلك المرحلة ، إلا بالوصول القطعي ، والعمل الفعلي ، والحضور الطاغي ..

مرحلة الاكتفاء (3) / لـ محمد عمار ياسين

مرحلة الاكتفاء (3) 
محمد عمار ياسين

حينما تصل لهذه المرحلة ، ستجد نفسك تمر ببعض المواقف ، التي قد يضعك بها بعض من حولك ، قد تُحزنك هذه المواقف في حينها ، ولكنك لا تلبث سوى أن تنساها ، تنساها ولا تتذكرها ، وحتى لو أراد أحدهم أن يذكّرك بها رغماً عنك ، لن تتذكرها ، بل وستعود علاقتك طيبة حتى بمهندس ذلك الموقف ، لأنك ببساطة نسيت كل شيء ، ولكنك ورغم نسيان الموقف بشكل كامل بكافة تفاصيله ، سيظل في ذاكرتك غبارٌ يلف بعض الأشخاص ، الذي ومهما حاولت أن تنفضه عنهم ، يأبى الانقشاع ، لذلك تبقى حذراً مع هؤلاء ، لا لشيءٍ سوى أن عقلك الباطن يحذّرك ، وعقلك الواعي يجيب التحذير دون الخوض في التفاصيل ، لذلك وعندما تصل لهذه المرحلة من الاكتفاء ، امشِ وراء حدسك ، ومهما تعرضت لمواقفَ من البعض ، لن تقطعهم ، عقلك الباطن سيتكفل بالأمر ويبعدك عنهم ، دون أن يعود بك إلى ذاكرتك ليكرر لك نفس الشعور بالصدمة الذي شعرته سابقاً بسببهم ..

مرحلة الاكتفاء (2) / لـ محمد عمار ياسين

مرحلة الاكتفاء (2)
لـ محمد عمار ياسين

ستخوض في حياتك كثيراً من الطرق ، منها السهل السلس ، ومنها الصعب الوعر ، ستقاتل ، ستكدح ، ستكافح ، ستكون الصلب الجلمود الذي لا يلين في وجه الظروف ، لكن ورغم ذلك ستخوض فترةً لن يفهمك فيها أحد ، ولن تستطيع شرح تفاصيل ما تمر به لأي أحد ، ربما ستعتزل البشر وتضع بينك وبينهم ألف حاجز ، حتى أقرب المقربين إليك ، ستمشط الأزقة والطرقات بحثاً عن لحظات من السكون لترتب بها أفكارك ، وإن لم تجد تلك اللحظات نهاراً ، ستحاول البحث عنها ليلاً ، سـ تسهر ترتب الأفكار في رأسك ليلاً ، تلك الأفكار التي ستكون مبعثرة بحيث أن أفكارك ستكون بالضبط كذرات الرمل المتطايرة في عاصفة صحراوية جافة ، وأنت ستكون وسط العاصفة ، عاصفة أفكار عاتية ، تلتقط فكرة من هنا وفكرة من هناك ، تحاول ترتيبها عبثاً ، حتى أنك ستحاول التعرّف على بعض تلك الأفكار دون جدوى ، نعم .. فأنت لن تعرف بعض أفكارك أنت ، لا تستغرب ، فكثير منا يحمل أفكاراً مدفونة لا يعرف بها أحد حتى نحن ، ستتوه لفترة من الوقت ، حتى تصل عاجلاً أم آجلاً لمرحلة أسميها مرحلة الاكتفاء ، ليس شرطاً أن يكون اكتفاءاً من المادة، ربما يكون اكتفاءاً من الخوض في موضوع معيّن ، الاكتفاء من مخالطة بعض الناس، الاكتفاء من العتاب ، الاكتفاء من بعض الأحاسيس المهترئة البالية، التي لم تجلب لك سوى مزيداً من القلق بل وربما صداعاً مزمناً، ستأتي هذه الفترة التي قد تستغرب عيشها في بدايتها، ثم سـ تشعر بـ هدوء لم ولن ترَ له مثيلاً من قبل أو من بعد ، ومن مزايا الوصول لهذه المرحلة ، ‏أنك لن تتحدث كثيراً ، لأنك تعبت من الكلام ، وفي ذات الوقت لن تصمت كثيراً حينما يكون الكلام عليك واجب، سواء أرضى كلامك الذي تتحدث معه، أو أغضبه ، أو أحرجه !!!!
فالكلام في معرض السكوت يسبب الملل ، والصمت في معرض وجوب الكلام خيانة لنفسك قبل أي أحد ....

لـ محمد عمار ياسين

مرحلة الاكتفاء (1) لـ محمد عمار ياسين

وسـ ‏تأتي فترة تشعر فيها بالاكتفاء، ليس شرطاً أن يكون اكتفاءاً من المادة، ربما يكون اكتفاءاً من الخوض في موضوع معيّن ، الاكتفاء من مخالطة بعض الناس، الاكتفاء من بعض الأحاسيس المهترئة البالية، التي لم تجلب لك سوى مزيداً من القلق بل وربما صداعاً مزمناً، ستأتي هذه الفترة التي قد تستغرب عيشها في بدايتها، ثم سـ تشعر بـ هدوء لم ولن ترَ له مثيلاً من قبل أو من بعد ..

محمد عمار ياسين ©

من هو محمد عمار ياسين

إليكم السيرة الذاتية للكاتب والمحامي محمد عمار ياسين


محامي وروائي وشاعر وباحث فلسطيني ولد في نابلس بتاريخ 16/7/1993 .

حاصل على شهادة الثانوية العامة من مدرسة الصلاحية الثانوية للبنين في نابلس / فلسطين عام 2011 ، وحاصل على شهادة البكالوريوس في القانون من جامعة النجاح الوطنية / نابلس / فلسطين / عام 2014 .

له قصائد عديدة ومقالات وأبحاث وقصص قصيرة منشورة على مواقع الانترنت وبعض الصّحف المحلية .

متطوع في العديد من المؤسسات المحلية ، ومحاضر في العديد من المواضيع التوعوية التنموية للعديد من طبقات المجتمع ، وهو الآن صاحب مكتب خاص يزاول به أعمال المحاماة والاستشارات القانونية ، وعضو مجلس بلدي لبلدته عصيرة الشمالية قضاء نابلس منذ عام 2022 وحتى عام 2026 .

معلومات التواصل :
00972568947770
00972599046810
adv.mohammed.yassin@gmail.com

أحبكِ فعلاً (قصة قصيرة بقلم // محمد عمار ياسين)

أحبكِ فعلاً
((قصة قصيرة - بقلم // محمد عمار ياسين))

((1))

هو : اشتقتلك ، وين هالغيبة؟ 
هي : بس اشتقتلي؟ . 
- اشتقتلك وبحبك كتير كمان . 
 - بس؟
لم يكن يدري هل يشبعها أكثر بالكلمات المعسولة ، وعبارات الحب ، أم يظل صامتا ليريها حبه بالفعل لا بالقول ! ..
- حبيبتي ، هل تريدين مني كلاما فقط؟ 
- ليه انتا ما بتحبني؟ 
- بحبك وكتير ، بس بدي تشوفي حبي فعل ، ما بحب احكي كتير أنا . 
- كيف؟ 
 - يعني لما تشوفيني ع باب داركم جاي اطلبك ، وقتها رح تعرفي اني بحبك ، وحتى كلمة بحبك قليلة بحقك ..
صمتت سارحة تفكر ، لم يدر بماذا فكرت ، ولا هي اجابته على ما قاله لها ، وهذا ما ازعجه ، فهو لا يريد منها أن تشبعه كلاما ، فهو لا يحي كثرة الكلام أصلا ، ولكن توقع منها أن تقول أي شيء يزيده اصرارا على ما قال ، أو يشجعه على ذلك ، أو على الأقل توقع منها عبارة "ان شاء الله ، الله كريم" قطعه عن تفكيره ذاك قولها له : 
 - كيف قضيت يومك اليوم؟ .
ترى هل يحدثها عن احوالها بعد حديثهم ذاك أم بعده ، أم هل يحدثها عن احواله قبل تغييرها للموضوع أم بعده ، ترى هل يقول لها ما ازعجه ، بأنها لم تلق اهتماما لأمر يحلم به أن يجتمع هو وهي تحت سقف واحد ، أم هو مجرد موقف عابر لا يجب أن يتم الوقوف عليه ....
اختصر على نفسه تلك الحيرة واكتفى بالإجابة : 
 - الحمدلله كان تمام .....
*******************************************
((2))

في ذات صباح جاءته مكالمة هاتفية من مديره تفيده بأنه تم عزله من وظيفته ، في ذات اليوم ، أتاه صديقه ليقول له :
- ما تحزن يا صاحبي ، عندي خبر لازم أخبرك اياه .
- تراجع مديرنا عن قراره ؟ .
- لا ما تراجع ، شكلو فيه حدا متوصي فيك كتير بتقريره .
- معناته شو الخبر؟
- انتا صاحبي من زمان وما بدي اياك تزعل ، يعني لو مش انا اللي وافقت كان وافق حدا تاني .
- اه!!
- المدير قرر يعيني بدالك بالشغل .
 - مبروك .
كانت هي تعرف بما حل به ، وتعرف بأنه فقد وظيفة أحلامه ، تعرف بأنه يأكل ويشرب ليعيش فقط ، ولكنها كانت تريده دائما كما العادة ، يحدثها طوال الليل عن العشق والوله ، يمجّدها بأرق الكلمات وأعظمها ، وكان يفعل ذلك لسبب واحد فقط أنه "يحبها" .
بعد أسبوع اكتشف بأنه تمت خيانته على يد صديق عمره وعمله ، ذلك الصديق الذي خانه مرتين ، الأولى عندما طعنه في ظهره عند مديره في العمل ، والثانية عندما أتاه يخفف عنه حزنه بنفاق واضح خلفه فرح عارم فاضح .
كان يومها في حالة من الموت البطيء وجعاً ، ليس فيه شيء طبيعي ، يقف بعيدا عن الضحك ، وعلى هاوية البكاء ، لا هو قادرُ على الضحك ولا هو قادر على البكاء ، كان يريد أن يصرخ ، أن يكسر كل شيء حوله ، أن يتحدث عما بداخله ، كان يعرف بأنها لا تحب ما تسميه "نكد" ، لذلك كان يتجنب الحديث عن ألمه عند محادثته لها ، ولكنه قرر أخيراً الحديث معها في وجعه .
كان يريد أن يحدثها عن كل ما يؤلمه كما يحدثها عن كل ما يفرحه ، فالفرح والوجع كلاهما سواء ، كلاهما يجعلان من الشخص محتاجاً للكلام أو ما نسميه "فضفضة" ، وهي الإنسانة الوحيدة التي ستحتويه بفرحه وألمه ، ليس لشيء سوى أنه أعطاها قلبه قبل أن يعطيها ثقته .
*******************************************
((3))

كانا يمشيان في إحدى شوارع مدينتهم الواسعة ، تحدثا بكل المواضيع التي تعشق الحديث فيها ، حتى تنهد عميقاً وقال لها :
- بتعرفي شغلة !! .. انا تعبان كتير .
- ليه حبيبي من شو؟
 - مخنوق .. خلال أسبوع واحد ، خسرت وظيفتي ، وصديق طفولتي ......


جلسا على أحد المقاعد العامة ، وأسهب في حديثه ، تحدث كثيراً ، وكثيراً ، تحدث حتى شعر بأنه سيبكي ، يريد أن يبكي ليس بسبب أوجاعه ولا همومه ولا حتى بأنه يكاد يموت ، يريد أن يبكي لأنه يراها تعلق أنظارها بكل شيء على الطريق ، منشغلة عنه وعن حديثه وعن قلبه الذي كان في أمسّ الحاجة إليها ، كان هو يتكلم ، وهي تفحص السيارات التي تعبر الشارع ، وإشارة المرور ، حتى أنها قاطعته لتقول :
 - شوف شوف هاد قطع اشارة المرور وهي حمرا ..


صمت برهة ،ثم أكمل حديثه ، ورآها تستكمل جولتها الاستطلاعية في المكان ، تفحصت بائع العطور ، والشرطي الذي يقف عند مفرق الطرق ، وكل المشاة الذين يعبرون الطريق جيئة وذهاباً ، وأخيراً قالت بشيء من العجلة :
 - طيب حبيبي ، ما تزعل حالك ، كلو عادي وما بستحق تزعل حالك عشانو .


عرف من كلماتها تلك بأنها تقول له أن الحوار انتهى وأن عليها الذهاب ، نهضا عن ذلك المقعد ، وأوصلها لأول منطقتهم ثم رحل عنها إلى منزله ، إلى غرفته ، ليجلس وحده ، وتمارس آلامه ساديتها عليه ، وتجعل منه إنساناً يتحطم أكثر فأكثر ..

كان يريدها أن تفهم بأن الحب ليس مجرد اثنين يهيمان طوال الليل في حبهما ، وكلامهما الرقيق الذي ينساب لقلبيهما كما ينساب النسيم الربيعي إلى مسامنا ، ليعطينا مزيداً من الراحة والاسترخاء ، الكلام في الحب رائع ، ولكنه ليس كل شيء ، في الحب قد نتحدث أيضاً عن الهموم ، أي هموم تثقل كاهل أحد الأطراف ، ويريد من قلب حبيبه ملاذاً له يخفف عنه ألم تلك الأوجاع .

كان يريدها أن تعرف بأنها زادته ألماً بما تقوم به ، فقد كان يتوقع منها الإحساس به ، ولكنها لم تشعر بوجعه ، ولا حتى أعطته آذاناً صاغية لسماع استغاثات روحه ، كان يريدها أن تعرف بأنه لا يريد حبّاً -كلماتياً- محصوراً في مدة وجودهما معاً أو حديثهما معاً ، بل يريد حبّاً يذهب بروحه بعيداً إلى فضاء الراحة ، وتظل جوارحه ثملةً بإحساسها معه ، حتى وإن غابت عنه كلماتها .
*******************************************
((4))
كان يوما عاديا يقتله بروتينه المعتاد ، استيقظ صباحا ، تناول فطوره ، وذهب للشارع ، كي يتصيد عملا ، أي عمل بدلا من عمله الذي سرق منه ، كان دائما ما يفعل ذلك قبل أن يعمل في تلك الشركة ، وها هو بعد طرده منها يعود لذلك ، يسافر في الشوارع ، يقف في مركز المدينة مع آخرين ، ينتظرون صاحب عمل يريد عمالا للعمل لديه ، يقف ساعات وربما يحالفه الحظ في ذلك اليوم وربما لا ..
كان يحب قصيدة اسمها "في الانتظار" لمحمود درويش ، يقول في نهايتها :
فان الموت يعشق فجأة، مثلي،
 وإن الموت، مثلي، لا يحب الانتظار
فهو هكذا بطبيعته شخص لا يحب الانتظار ، وها هي الظروف ومن ملكت قلبه يجبرونه على ذلك مستغلين حاجته لهم ....
كانت هي الأخرى بارعة في جعله ينتظر ، ينتظرها لتأتي ، ينتظرها لتذهب ، ينتظرها لتتكلم ، ينتظرها لتصمت ، ينتظرها بالساعات والأيام ، وربما هي الأخرى كما عمله ، قد تأتي ، وقد لا تأتي .
كان دائماً يضع كل المبررات ليبرر لها غيابها ، وحينما تأتي بعد يوم ، يتوقع منها أن تثبت له تلك المبررات ، فتثبت له شيئاً واحداً فقط ((غباءه)) .
تأتي لتقول له :
- آسفة .. مبارح نمت وما قدرت آجي .
أو
- آسفة .. لقيت برنامج روعة ع التلفزيون ، وتابعته ، وما قدرت آجي .
أو
- آسفة .. ما كنت بمزاج مناسب ، وما قدرت آجي .
 أو ... أو ... أو ....
كان لا يحب الأعذار أبدا ، فالأعذار في نظره مجرد مفتاح لتكرار سبب العذر بعد الاعتذار ، ليتكرر نفس الاعتذار على نفس السبب مرة ، واثنتين ، وثلاث .. وأكثر .
في أعذارها تلك كان يرى نفسه قد وضع على هامش النوم والبرامج التلفزيونية ، وأصبح رهناً لأمزجتها المتقلبة ، أو أصبح أمراً ثانوياً يتم اللجوء إليه في وقت الفراغ لا أكثر .
ترى هل يقول لها بأنه ليس ساعة يد تنظر إليها فقط لكي تعرف الوقت ، هل يقول لها بأنه ليس معطفاً تلبسه عند إحساسها بالبرد وتخلعه عنها فور شعورها بالدفء ، وتتركه على الأريكة ليموت برداً بعيداً عن أي مصدر للحرارة .
يتبادر إلى عقله دائما كلمات صاغها قلبه ، ويرغب لو يعاتبها بها ، يود لو يقول لها :
الحب يا عزيزتي
ليس مجرد كلام يُقال
الحب إحساس ولهفة
 الحب عهود وأفعال
هل يعاتبها أم يظل صامتاً ، ويعود للوقوف على قارعة قلبها ، ينتظر حاجتها له ، ليكون إلى جانبها "وقت الطلب" .
كان دائماً ما يعقد العزم على أن يرحل ، ويذيقها طعم الانتظار الأبدي ، وما به من مرارة علقمية ، ولكنه يتردد وسرعان ما يتراجع عن قراره ذاك . ويثمر انتظاره عند مجيئها بكلمات يلفظها بأسف ، ويتمنى لو أن تشعر بها :
 - بسيطة مش مشكلة ، المهم انك بخير ......
*******************************************
((5))

في ليلة من الليالي ، أتته هو ورفاقه الأوامر ، بأن كونوا على استعداد لأي شيء في أي لحظة ، لم يكن يدري لا هو ولا رفاقه سبب تلك الأوامر ، كون الوضع هادئ وليس هناك ما ينذر لهجوم محتمل للصهاينة ، ومع ذلك فقد تجهز ورفاقه لهجوم محتمل على مدينتهم .
وككل الفلسطينيين المستعدين دوماً لأي شيء ، توشح كوفيته ، وحمل رشاشه الذي لم يستخدمه منذ سنوات ، منذ أن دخلت القضية حالة من سبات المفاوضات المشتتة المبهمة ، منذ أن أصبح يطلق عليه هو وأقرانه تنظيمياً "خلايا نائمة" ، ذهب وودع أمه وأبيه واخوته ، وتلثم بكوفيته وخرج من المنزل وسط دموع أمه الصابرة .
كان يرغب بالمرور على غاليته يودعها ، فهو لا يعرف ماذا ينتظره ، ولكنه ظل متوجها إلى ثغور المدينة ليرابط فيها بقية الليل ، فسواء ودعها أو لم يودعها ، فهي لن تلحظ غيابه ، كما لا تلحظ حضوره 
كانت ليلة صافية متوسطة البرودة ، نجومها تتلألأ حول قمرها المضيء ، وكأنها تقيم حفلا من نوع ما ، لأجل شيء ما .
وكعادتها لم تفارق مخيلته للحظة ، رآها في تلك النجوم ، في القمر ، في سواد الليل ، في الصخور التي يرابط خلفها ، حتى في بندقيته .
وتخيل لو أنه ذهب ليقول لها بأن وطنه ناداه وهو ذاهب ليلبي النداء ، ترى هل كانت سترجوه ألا يذهب؟ ، أم ستسلّم من البداية بأنه سيذهب سواء قبلت أو رفضت؟ .
وهو .. هل سيأخذ برأيها إذا قالت له ألا يذهب خوفاً عليه ، هل كان سيضعف أمام دموعها ويعدل عن الذهاب للمجهول؟ .
لقد كان دائما يحمل فلسطين في قلبه ، ويضعها فوق كل من فيه ، كان على قناعة تامة بأن فلسطين التي وُلد على أرضها ، تربى في أحضانها ، لعب في حاراتها ، هي التي تستحق كل الحب والوفاء ، واذا تعارض حبه وولائه لوطنه ، مع حبه او حتى عشقه العظيم لإحداهن ، فهو سيقدم عشقه الوحشي لوطنه ، ويُسقط غيره من انواع الحب وان كان حبه لوالديه ، وهم أقرب الناس إليه .
-معقول اليوم نستشهد؟ .
سؤال تبادر إلى ذهنه فجأة ، ثم إلى لسانه مباشرة ، وطرحه على مسامع رفاقه . لم يفاجئه رفيقه "مجد" ، عندما قال له :
- ليش يعني خايف؟ .
- لأ ، بس مجرد سؤال .
 - ويا سيدي ، نستشهد ، فدا هالوطن ، فدا امي وامك وكل اللي بيحبونا .

هكذا هو الفلسطيني ، على استعداد أن يبذل روحه فداءاً لوطنه ، والتي ستكون أيضا فداءاً لكل شعبه البطل ، فدائما ما يكون الفدائيين هم الحاجز بين حياة شعبهم ومماتهم ، لذلك نراهم يقاتلون بشراسة ، مستعدين لتفجير أنفسهم دفاعا عن الوطن ، فأهلهم وأحبائهم باقون ما بقي هذا الوطن .
كانوا في تلك الليلة مرابطين في جهة من جهات المدينة ، كانوا خمسة عشر مقاتل ، خمسة عشر شخص قد عقدوا اتفاقا مع القدر وقعوه بعزيمتهم وشهدت عليه إرادتهم ، مضمونه موافقتهم على أن يكونوا مشاريع شهداء ، في اشتباك أو توغل أو غارة مفاجئة ...........

*******************************************
((6))

كانت ليلة يحتفل فيها الصمت مع الظلام بتناغم كئيب ، يجعل من مهمة المرابطين أخطر ، فالصمت يصمّ آذانهم ، ليعطيهم حالة من اليقظة الدائمة الإجبارية ، في انتظار ما سيخرق هذا الهدوء ، والظلام يعمي أبصارهم فيجعل من مهتمهم أصعب ..
ومع كل هذا ، لم تجد الكآبة طريقاً لتلامس قلبه ورفاقه أو تحطّ قيد أنملة من عزيمتهم ، فقد أصبحوا على قناعة تامة بأنهم هناك لحماية أهلهم وأحبتهم ، وليس لمجرد تنفيذ أوامر .
وانتصف الليل ..
 ذهب لمكان ليس ببعيد عنهم ، وسرح بتفكيره ..

الفلسطيني محكوم بالظروف ، في أوقات الهدوء هو لمن حوله ، وفي أوقات الأزمات هو لا يملك نفسه ، فهاهم من حوله قد تركوا كل من لهم وأتوا ، تركوا آبائهم ، أمهاتهم ، زوجاتهم ، أولادهم ، كما هو ترك حبيبته وأتى .
على ذكرها تذكر بأنه كان أحياناً يتحدث معها عن وضع القضية المستفز ، الذي يمر بمرحلة من الاستهزاء بمطالب هذا الشعب الصامد ، بل واستهتار في أرواح شبابه وأطفاله . كان يرى صور الأطفال والنساء يستشهدون تحت أنظار كاميرات التلفزة المحلية والعالمية ، لتثير هذه الصور مشاعر الملايين حول العالم ، أعرابه وأعاجمه ، ولا تثير مشاعر حاكم لدولة واحدة ، كان دائما يتسائل ، ترى هل حكام الدول مخلوقات تختلف عن أفراد الشعب الذي تحكمه؟ ، أم أن الحاكم يعطي ضميره إبرة مخدرة ، لتخدره طيلة فترة حكمه ، والتي غالباً ما تكون عند العرب طيلة فترة حياته؟ .
كان لا يعرف سبب الحديث معها في مثل هذه المواضيع ، ربما لكي يجعلها تعرف ما الذي يحدث حولها كونها فلسطينية مثله ، وفلسطين وطنها كما هو وطنه ، أو ربما لكي يهدّئ من ضجيج روحه التي تضج بكل الأحاسيس بعد كل مجزرة .. كان يتحدث إليها في تلك الأمور مع معرفته المسبقة بما ستقوله ، سواء عندما ينتهي من حديثه ، أو مقاطعة له :
 - حبيبي .. ليش مقلق حالك انتا؟ .. شو جاييك من هالحكي غير وجع الراس؟

بالتأكيد كان هذا الحديث عديم الأهمية بالنسبة لها ، كونه ليس من "هواياتها" كما تقول دائماً ، ولكنها ربما كانت على حق بأنه مؤلم له ، ولكنه لا يسبب له ألماً في الرأس ، إنما ألماً في القلب ، ألماً في العروبة التي داسها الصهاينة ، العروبة التي عجزت عن تحرير شبر واحد من أرض يتم اغتصابها كل يوم منذ ستون عاماً .
كم كان يتمنى أن تفهم بأن الذي استشهد بالأمس هو بشر ، من لحم ودم ومشاعر ، له أهل وأحباب وأصدقاء ، كان يتمنى لو أنها تفهم بأن الذي سيستشهد اليوم أو غداً ربما يكون أخاها أو أخاه ، أو يمكن أن يكون هو .. أو حتى هي ...
تبادرت إلى لسانه كلمات ربما صاغها له الموقف ، أو ألمه على ما وصل إليه شعبه ::
دون جريمة يرتكبها
تصدر في حقه الإدانه
مذنب هو دون اهتمام
لعمره ، لجنسه ، أو الديانة
يكفي الاسم "فلسطيني" 
ليكون ضحية قذيفة غادرة
 جبانة

*******************************************
((7))

كان الجميع لا يدري ما ينتظره في نهاية هذه الليلة التي لا تريد أن تأتي ، فقد كانت ليلتهم طويلة ، قلوبهم معلقة بمن تركوا خلفهم ، وأبصارهم مركزة على حدود المدينة ..
كان حائراً وتائهاً في ذلك المكان ، مبعثر المشاعر والأحاسيس ، كان يطرح تساؤل دائماً على نفسه ، هل تفكيره فيها طبيعي في هذه الأثناء ؟ ، أم أن في تفكيره فيها في مثل ظروفه الحالية ضرباً من الجنون؟ ، ولكن ما الفرق بين جنون موقفه وجنونها هي أصلا ؟ .
كان جنونها الطفولي في البداية يروق له ، يحبه مع أنه يؤلمه أحياناً ، ولكن بعدها تطورت طفولتها تلك إلى شيء من عدم الاكتراث لأي أحد ، وهو أولهم ، كانت ترميه بأفعال تخترق قلبه ، خاصة تلك الأفعال التي لا تقتصر فيها على استفزازه فحسب ، بل استفزازه ، وضربه في مقتل .
كان جنونها ذاك يتمادى أكثر وأكثر ، ليخرج من مستوى العفوية الطفولية ، ويدخل مرحلة الإصرار على الخطأ غير المقصود -ربما- ، حتى وإن كان إصرارها ذلك على حسابه هو ..
تذكر وعودها غير النافذة دائما ، في كل الظروف والاحوال وأحياناً على نفس الأمور ، تنقض وعده ، يناقشها ، فيتبين له أنها تعرف بأنها نقضت وعدا ، وتعرف ومقتنعة تماماً بأنها أخطأت ، وأنه إذا قام بنفس الفعل سيؤلمها ذلك ، حتى أنها لم تترك له مبرر نسيانها للوعد على الاقل ، فتقول له :
 - اه بتذكر مزبوط حكيتلك هيك ووعدتك ، بس مش عارفة خلص "عادي" ....
تقول له كلمة "عادي" تلك دائما ، في كل مرة تنقض وعداً في اليوم التالي من عمره ، ولكن عند قيامه بنفس الفعل تنقلب الأمور ليصبح الأمر غير "عادي" ، تعده مرة أخرى على عدم تكراره ، وتعود لكلمة الـ"عادي" ، وهكذا ابتلعت دائرة الـ"عادي" المفرغة رجلاً أصبح يرى نفسه هو الآخر أقل من الـ"عادي" ..
قطعه عن تلك الدوامة المتناقضة ، والمشاعر المتضاربة ، صوت على بعده اخترق كل الهدوء من حوله ، صوت يعرفه جيداً ، صوت لشيء كان يمر منذ سنوات ليست ببعيدة ، بجانبه وهو على الحواجز العسكرية الصهيونية ، كان صوت دبابة ، وليس دبابة واحدة ، بل قطيع من الدبابات التي يبدو من سرعة دنو صوتها بأنها متخمة بالذخيرة ، وجائعة للموت ............


*******************************************
((8))
كانت تجلس وحيدة تلك الليلة ، تفتقده فيها أو تفتقد فيها كلامه الذي تعشقه من كلام حب وهيام ، وكان قد رحل وهي تعرف بأنه غير راضٍ أبداً عن أساليبها في التعامل معه ، فهي تعرف جيداً بأنه يموت وجعاً منها ، وتعرف جيداً بأن أساليبها هذه إذا ما عاملها هو بها لن تكون سعيدة أبداً بها ، تعرف جيداً بأنه لا يعاملها بها لأنه لا يريد أن يجرح قلبها ، كل ذلك تعرفه جيداً ، ولكنها لا تدري لماذا تفعل كل هذا ، كانت تسمع من الجميع بأن الحب اهتمام ، وأن الاهتمام لا يطلب ، بل يكون بفطرة العاشق والعاشقة ، ولكنها غير قادرة عليه ، في كل مرة لا تستطيع قول ذلك له ، ولكنها بالفعل غير قادرة على ذلك ، لأسباب لا تعرفها ، ربما هو دلال زائد تحوّل إلى أنانية جنونية ، أو ... هل يعقل بأنها لا تحبه؟ ، أو أن كل ما تشعره تجاهه هو ربما نوع من حب الأخت لأخيها ، أو حب الصديقة لصديقها؟ .
كانت واعية لكل شيء تفعله ، ولكنها لا تستطيع إيقاف نفسها عن فعله ، حتى عندما تراه في قمة اختناقه وألمه ، فإنها لا تحيد عن أساليبها التي تراها هي نفسها بأنه من غير المنطق أن تصدر من حبيبة بحق حبيبها ، وخصوصا بأن ذلك الحبيب أشعل لها قلبه حباً ، وملّكها حواسه عشقاً .
كانت تعرف تماماً بأنه لا يستطيع الاستغناء عنها ، وأنه يحبها ربما أكثر من مقدار حبها له ، بل من المؤكد ذلك ، فكل شيء فيه يفضح ذلك ، كلامه ، اهتمامه ، خوفه وغيرته عليها ، لذلك وكونها تعرف بأنه لا يستطيع فراقها ، فقد كانت دائماً تمنع نفسها من اقتراح ذلك الاقتراح الذي سينهي ألمه ، وهو أن ينفصلا ، وأن يسلك كل واحد منهم السبيل الذي يجعله مرتاحاً ، لك تكن تدري ما الذي يمنعها من ذلك ، خوفها من خسارة إنسان لن يحبها أي شخص آخر بمقدار حبه لها ، أو ربما كانت "تشفق" عليه ، ولا تريد برحيلها أن تجرحه جرحاً أكبر من جرحه في وجودها .
ولكنه الحل الوحيد .. رحيلها هو الحل الوحيد لوضع حدا لألمه ، سيتألم بعدها ربما أياماً وربما أشهر ، ولكن من المؤكد أن يجد الإنسانة التي تستحق منه كل ذلك الحب ، فهي على يقين بأنها لا تستحقه ، ولا تستحق منه كل ذلك الحب والوفاء ، لذلك أخذت قرارها بإنهاء العلاقة بينهما ، غداً صباحاً سنتهي كل شيء ، ليرتاح هو ، وترتاح هي ، لعل إحساسها بالذنب تجاهه سيزول ولو بعد فترة .
وبدأ صوت الرصاص البعيد يشق مسامعها ، ترى هل هو من هذا الاتجاه أم من ذاك؟ ، أطرقت السمع قليلا فعرفت بأنه قادم من جميع الاتجاهات ، ومن ضمنها الاتجاه الذي يرابط فيه هو ....
كانت المعركة تشتد أكثر وأكثر ، وأهل المدينة ينتظرون مع علمهم المسبق بنتيجة تلك المعركة ، عندما انقطعت الاتصالات بين المجموعات الموزعة حول المدينة ، وسماع صوت رصاص الحرية ، تقابله قذائف الظلم والقهر ، كل ذلك وسط تكبيرات شيوخ المدينة ، واستعداد باقي شبان المدينة للمواجهة التي ستمدد إلى شوارع مدينتهم .
بدأ صوت رصاص الاسلحة الرشاشة الخفيفة يقل ، ويطغى عليه صوت قذائف بني صهيون .
وصل أحد المقاتلين إلى المدينة سيراً على الأقدام ، وقد اخترقت ذراعه شظيه ، كان على نفس الجبهة التي يرابط فيها "هو" ، جاء إلى أهل المدينة بأنباء تفيدهم ولكنها ستؤلمهم في نفس الوقت ، قال لهم بأن الاقتحام من جهته يتم بواسطة 3 دبابات ، وأن آخر اتصال بينهم وبين رفاقهم على المحاور الأخرى يفيد بنفس المعلومة ، ونقل لهم معلومات عن الطرق التي ستسير بها تلك الدبابات ، والأماكن التي يجب أن يتم وضع الألغام فيها ، وكذلك نقل لهم بأن كل من على جبهته قد استشهدوا عدا اثنان ، اقترحوا عليه أن يرجع للمدينة كونه مصاباً ناقلاً لأهل المدينة المعلومات ، وهم سيقوموا ما بوسعهم لتأخير الدبابات القادمة حتى يتسنى لشبان المدينة تجهيز الاستقبال المزين بالألغام .... كان من بقي هم "مجد" و "هو" .
توقف صوت الرصاص والقذائف ، وبدأ صوت الدبابات بالدنو أكثر فأكثر ، والجميع متأهب ليرى نتيجة تلك الألغام التي وصلت للمقاتلين حديثاً ممن حولهم من "دولة" داعمة لقضيتهم .
في صباح اليوم التالي كانت المدينة قد فازت في أولى جولاتها ، والألغام أجبرت الدبابات التي تبقت على الانسحاب ، كان بنظر أهل المدينة انتصار بطعم مر ، فقد أجبروا الدبابات على الانسحاب ولكنهم خسروا أرواحاً لخيرة شباب المدينة ، الذين واروهم ثرى وطنهم في ظهيرة يوم "الانتصار" ، وكذلك كانوا يترقبون الجولة القادمة وما يخبئه لهم محتل غادر .
في مساء ذلك اليوم ، حمل الشاب الذي رجع إلى المدينة ورقة إليها ، كانت قصاصة ورق معطرة بعبير البارود ، مكتوبة فيها رسالة على عجل ، كانت منه إليها ، مكتوب فيها :
 "إذا قرأتِ هذه الرسالة فمن المؤكد أن استشهادي كان ذو نتيجة -على الأقل حتى الآن- ، لم تغيبي عن بالي للحظة واحدة ، فقد كنت حاضرة حولي ، سامحيني إن فهمتكِ يوماً على خطأ ، ولا تبكيني فأنا الآن ربما أراكي ، وإن بكيتِ لن أكون مرتاحاً لذلك أبداً .... أحبكِ فِعلاً "،،،،،،،
*****************************************

ذكريات تأبى النسيان (قصة قصيرة - بقلم محمد عمار ياسين)

ذكريات تأبى النسيان
((قصة قصيرة - بقلم // محمد عمار ياسين))

((1))


ﻗَﺎْﻝَ : ﺃُﺣِﺒُّﻚِ .
ﻋَﻠَﺖْ ﻭَﺟْﻬَﻬَﺎْ ﺍﻟْﺠَﻤِﻴْﻞِ ﻧَﻈْﺮَﺓٌ ﻣُﺮْﺗَﺒِﻜَﺔْ ﻭَﻇَﻠَّﺖْ ﺻَﺎْﻣِﺘَﺔْ ، ﺍْﺭْﺗَﺒَﻚَ ﻫُﻮَ ﺃَﻳْﻀَﺎً ﻭﺍﺳﺘﺠﻤﻊ ﺷﺠﺎﻋﺘﻪ ﻭَﻗَﺎْﻝْ : ﻣَﺎْ ﺭَﺃْﻳِﻚْ ؟ .
ﻭَﺑَﻘِﻲَ ﺍﻟْﺼَّﻤْﺖُ ﻋِﻨْﻮَﺍْﻥَ ﺗِﻠْﻚَ ﺍﻟْﻠَّﺤَﻈَﺎْﺕْ ، ﺷَﻌَﺮَ ﺃَﻧَّﻬَﺎْ ﻏَﺮِﻗَﺖْ ﻓِﻲْ ﺍﻟْﺘَّﻔْﻜِﻴْﺮْ ، ﻭَﻟَﻜِﻦْ ﺗِﻠْﻚَ ﺍﻟْﺎﺑْﺘِﺴَﺎْﻣَﺔُ ﻟَﻢْ ﺗُﻔَﺎْﺭِﻕْ ﺷَﻔَﺘَﻴْﻬَﺎْ ، ﺭُﺑَّﻤَﺎْ ﻫِﻲَ ﺍﻻﺑْﺘِﺴَﺎْﻣَﺔُ ﺍﻟَّﺘِﻲْ ﻭَﺍْﺳَﺖْ ﻗَﻠْﺒَﻪُ ﻭَﻫُﻮَ ﻓِﻲْ ﺍْﻧْﺘِﻈَﺎْﺭِ ﺭَﺩِّﻫَﺎْ ، ﺛُﻢَّ ﻗَﺎْﻟَﺖْ : ﺣَﺴَﻨَﺎً . !!
ﺃَﻃْﺮَﻕَ ﺍﻟْﻨَّﻈَﺮَ ﻓِﻴْﻬَﺎْ ﻟِﺒُﺮْﻫَﺔٍ ﺛُﻢَّ ﻗَﺎْﻝْ : ﻭَﻟَﻜِﻦْ ﺃَﺗَﻤَﻨَّﻰْ ﻣِﻨْﻚِ ﺟَﻮَﺍْﺑَﺎً ﻳُﺸْﻔِﻲْ ﻗَﻠْﺒِﻲْ .
ﺃَﺟَﺎْﺑَﺘْﻪْ : ﻣُﻮَﺍْﻓِﻘَﺔْ .
ﺭُﺑَّﻤَﺎْ ﻟَﻢْ ﻳَﻜُﻦْ ﻳَﺘَﻮَﻗَّﻊْ ﺟَﻮَﺍْﺑَﺎً ﻛَﻬَﺬَﺍْ ، ﻭَﻟَﻜِﻨَّﻪُ ﻗَﺒِﻞَ ﺑِﻪِ ﻟِﺄَﻧَّﻪُ ﻳَﻌْﻠَﻢُ ﺑِﺄَﻥَّ ﻛَﻠِﻤَﺘَﻪُ ﺃَﺭْﺑَﻜَﺘْﻬَﺎْ ، ﻭَﻗَﺮَّﺭَ ﺃَﻥْ ﻳُﻌْﻄِﻴَﻬَﺎْ ﻣُﻬْﻠَﺔً ﻟِﺘُﻔَﻜِّﺮَ ﺑِﻬُﺪُﻭْﺀْ ، ﺃَﻛْﻤَﻠَﺎْ ﺣَﺪِﻳْﺜَﻬُﻤَﺎْ ﺑِﺸَﻜْﻞٍ ﻃَﺒِﻴْﻌِﻲّ ﺛُﻢَّ ﺫَﻫَﺒَﺖْ ﻫِﻲَ ،
 ﻭَﺫَﻫَﺐَ ﻫُﻮَ .
ﻗَﺎْﺑَﻠَﻬَﺎْ ﻓِﻲْ ﺍﻟْﻴَﻮْﻡِ ﺍﻟْﺘَّﺎْﻟِﻲْ ، ﻭَﺭَﺃَﻯْ ﻓِﻲْ ﻋَﻴْﻨَﻴْﻬَﺎْ ﺍﻟْﻜَﺜِﻴْﺮَ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻜَﻠَﺎْﻡْ ، ﺍْﻧْﺘَﻈَﺮَ ﺃَﻥْ ﺗَﺘَﻜَﻠَّﻢَ ﺑَﻌْﺪَ ﺃَﻥْ ﻗَﺎْﻝَ ﻟَﻬَﺎْ : ﺻَﺒَﺎْﺡُ ﺍﻟْﺨَﻴْﺮْ ، ﻓَﻠَﻢْ ﺗَﺮُﺩّ ﺳِﻮَﻯْ ﺑِـ " ﺻَﺒَﺎْﺡْ ﺍﻟْﻨُّﻮْﺭْ . "
ﺳَﺄَﻟَﻬَﺎْ ﻋَﻦْ ﺃَﺣْﻮَﺍْﻟِﻬَﺎْ ، ﻭَﻛَﺎْﻧَﺖْ ﺗَﺮُﺩُّ ﻋَﻠَﻰْ ﻗَﺪْﺭِ ﺍﻟْﺴُّﺆَﺍْﻝِ ﺑِﺎْﺳْﺘِﺤْﻴَﺎْﺀْ ، ﻫُﻮَ ﻳَﺴْﺄَﻝْ ، ﻭَﻟَﻜِﻨَّﻪُ ﻟَﺎ ﻳَﺴْﻤَﻊُ ﻣَﺎْ ﺃَﺟَﺎْﺑَﺖْ ﺑِﻘَﺪْﺭِ ﻣَﺎْ ﻛَﺎْﻥَ ﻗَﻠْﺒَﻪُ ﻳَﻄْﺮَﺏُ ﻋَﻠَﻰْ ﺻَﻮْﺗِﻬَﺎْ ﻭَﻋَﻴْﻨَﺎْﻩُ ﺗَﻬِﻴْﻤَﺎْﻥِ ﻓِﻲْ ﻋَﻴْﻨَﻴْﻬَﺎْ ، ﻋَﺮَﺽَ ﻋَﻠَﻴْﻬَﺎْ ﺃَﻥْ ﺗَﺸْﺮَﺏَ ﻣَﻌَﻪُ ﻓِﻨْﺠَﺎْﻧَﺎً ﻣِﻦَ ﺍﻟْﺸَّﺎْﻱْ ، ﻓَﻘَﺒِﻠَﺖْ ، ﺟَﻠَﺴَﺎْ ﻣَﻌَﺎً ﺻَﺎْﻣِﺘَﻴْﻦِ ﻳَﺸْﺮَﺑَﺎْﻥ ﻭَﻳْﻨْﻈُﺮَﺍْﻥِ ﺇِﻟَﻰْ ﺍﻟْﻤَﺎْﺭَّﺓْ ، ﻓَﻘَﺪْ ﻛَﺎْﻧَﺖْ ﺗَﺘَﺤَﺎْﺷَﻰْ ﺍﻟْﻨَّﻈَﺮَ ﻓِﻲْ ﻋَﻴْﻨَﻴِﻪْ ، ﻛَﺎْﻥَ ﻳَﻨْﺘَﻈِﺮَﻫَﺎْ ﻟِﺘَﺘَﻜَﻠَّﻢْ ، ﻭَﻟَﻜِﻨَّﻬَﺎْ ﻟَﻢْ ﺗَﻨْﻄِﻖْ ﺑِﺸَﻲْﺀْ ، ﻟَﻢْ ﻳَﺠِﺪْ ﺣَﻠَّﺎً ﺁﺧَﺮَ ﺳِﻮَﻯْ ﺃَﻥْ ﻳَﺘَﻜَﻠَّﻢْ ﻫُﻮَ ، ﻛَﺎْﻥَ ﻳُﺮِﻳْﺪُ ﺃَﻥْ ﻳَﻄْﺮَﺡَ ﻣَﻮْﺿُﻮْﻋَﺎً ﻋَﺎْﺩِﻳَّﺎً ﻟِﻠِﺤَﺪِﻳْﺚِ ﺑَﻴْﻨَﻬُﻤَﺎْ ، ﻭَﻟَﻜِﻨَّﻪُ ﻗَﺎْﻝَ ﻛَﻠِﻤَﺔً ﺭُﺑَّﻤَﺎْ ﺧَﺮَﺟَﺖْ ﻣِﻨْﻪُ ﺑِﺸَﻜْﻞٍ ﻋَﻔْﻮِﻱّ ، ﻗَﺎْﻝَ ﻟَﻬَﺎْ : ﺃُﺣِﺒُّﻚِ ، ﻫَﻞْ ﻓَﻜَّﺮْﺗِﻲْ ﺟَﻴِّﺪَﺍً ﺑِﻤَﺎْ ﻗُﻠْﺘُﻪُ ﻟَﻚِ ﺑِﺎْﻟْﺄَﻣْﺲْ؟ .
ﻗَﺎْﻟَﺖْ : ﻧَﻌَﻢْ .
- ﻭَﻣَﺎْ ﺭَﺃْﻳُﻚِ ؟
- ﺃﻧﺎ ﺃَﺷْﻌُﺮُ ﻣِﺜْﻞَ ﺷُﻌُﻮْﺭَﻙْ .
- ﺇِﺫَﺍً ؟؟ .
- ﺃَﻧَﺎْ ﺃُﺣِﺒُّﻚَ ﺃَﻳْﻀَﺎً .
ﺭَﻗَﺺَ ﻗَﻠْﺒَﻪُ ﻓَﺮَﺣَﺎً ﻋِﻨْﺪَﻣَﺎْ ﺳَﻤِﻊَ ﻣِﻨْﻬَﺎْ ﺗِﻠْﻚَ ﺍﻟْﻜَﻠِﻤَﺔْ ، ﻭَﻧَﻈَﻢَ ﻟَﻬَﺎْ ﻣِﻦْ ﺣَﺪِﻳْﺜِﻪِ ﻗَﺼِﻴْﺪَﺓً ﺗَﺼِﻒُ ﻟَﻬَﺎْ ﺣُﺒُّﻪْ ، ﻭَ .................................
ﺍْﻧْﺘَﺸَﻠَﻪُ ﻣِﻦْ ﺫِﻛْﺮَﻳَﺎْﺗِﻪِ ﺗِﻠْﻚَ ﺻَﻮْﺕُ ﺭَﺟُﻞٍ ﻳَﺘَﻨَﺎْﻗَﺶُ ﻣَﻊْ ﺁﺧَﺮَ ﺑِﺼَﻮْﺕٍ ﻋَﺎْﻝٍ ﻋَﻠَﻰْ ﻟُﻌْﺒَﺔِ ﻭَﺭَﻕْ ، ﺗَﻨَﻬَّﺪَ ﺑِﻌُﻤْﻖْ ، ﺍْﺭْﺗَﺸَﻒَ ﺁَﺧِﺮَ ﺭَﺷْﻔَﺔٍ ﻣِﻦْ ﻓِﻨْﺠَﺎْﻥِ ﻗَﻬْﻮَﺗِﻪِ ، ﻭَﺟَﻤَﻊَ ﺣَﺎْﺟِﻴَّﺎْﺗِﻪِ ﻭَﻏَﺎْﺩَﺭَ ﺍﻟﻤَﻘْﻬَﻰْ ....

*********************************************
((2))

خرج من ذلك المقهى بأشلاء أفكار مبعثرة ، كان ينوي الذهاب إلى بيته مباشرة ، ولكنه وجد نفسه يتجول في شوارع المدينة ، هذه المدينة التي لم يكن يسمع فيها سوى ضجيج السيارات ، وأصوات الباعة المتجولين ، ولا يقع بصره فيها إلا على دخان وزحمة خانقة ، ولكن .. أين الأشجار والحدائق والورود التي كان يراها وهو برفقتها ؟؟ ، لم يتوقف كثيرا عند هذا السؤال ، فهو يعلم تماماً بأن كل شيء جميل قد اختفى من حياته بمجرد ان اختفت عيناها ، فها هو يرى الورود ذابلة والاشجار بلا أوراق ، وبات يرى في الحدائق ترابها فقط .
أخذته قدماه -وربما قلبه- إلى مركز المدينة ، كان به أمل أن يراها ذلك اليوم ولكن دون أن تراه ، فهو لا يحب أن تراه منكسراً ، وهي التي اعتادت أن تراه بصورة الذي لا ينكسر أبداً ، كان يبحث في كل الوجوه عنها ، فلم يجدها .
في تلك اللحظة ، بدأ المطر ينهمر بغزارة ، ظل واقفاً في مكانه لا يتحرك ، يراقب جموع الناس من حوله يركضون للاختباء تحت مظلات المحال الموزعة على جنبات الطريق ، بقي واقفاً يتأمل المطر ويستذكر مع صوت وصوله الارض تلك الأيام ، كان هو وهي يعانون من شيء ربما اسمه "جنون المطر" .
تذكر عندما كانا يسيران وداهمهما المطر ، عندها وبدلاً من أن يسرعا في سيرهم ليصلا سريعاً ، قاما بسلوك طريق أطول لكي يبقيا تحت المطر مدة أطول . وطرق ذاكرته حينها ذلك الموقف عندما ابتاعا فيه فطوراً لهم ، وأخذاه ليتناولاه تحت المطر ، وتذكر طرافة الموقف عندما كان يريد إفراغ الكيس الذي معه مما فيه ، فطار ولم يكن قد أنهى إفراغه بعد ، تذكر عندما لحقه ضاحكاً ليمسك به ، وهي من خلفه تشجعه .
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ، سرعان ما تحولت إلى غصة استوطنت قلبه ، حينما وجد نفسه واقفاً لوحده وسط ذلك الشارع ، وقد تبللت ثيابه ، وكل من حوله من المارة المختبئين على جنبات الطريق يرمقونه بتلك النظرة الغريبة المتعجبة ، تابع سيره تحت المطر بخطوات بطيئة بين برك المياه التي تجمعت هنا وهناك .........
*********************************************
((3))

توقفت نوبة المطر ، وبدأ يرى الباعة المتجولين يجرون عرباتهم عائدين إلى مواقعهم ، نظر عبر ذلك الشارع ليقع بسره على بائع الكعك الطاعن بالسن ، ذلك البائع الذي كان كلما رآه يقول مازحاً لها :
- بعد 400 عاماً سأكون أنا مثله عجوزا ، وأنتِ أيضاً ستكونين مسنة كبيرة بالسن ، سنكون كلينا عكازاً يستند عليها الآخر ، فليس لنا في كبرنا إلا بعضنا .

لتضحك وتقول :
- أنا وإن كبرت سيظل مظهري يوحي بأنني "بنت 188" .

كان يضحك عندما يسمع كلماتها تلك ، لأنه نجح في استفزاز أنوثتها ، فهكذا هن النساء ، لا تحب الواحدة منهن أن تتصور بأنها كبرت أو ستكبر يوماً .

عاود السير في تلك الشوارع ، فرأى زميلة له ، وعندما تعرفت على ملامحه بادرته التحية من بعيد ، فأجاب بإيمائة برأسه وابتسامة ، دون أن يتوقف .

تذكر في تلك اللحظة غيرتها ، لقد كانت غيورة عليه حتى الثمالة ، ورجعت به الذاكرة إلى تلك الأيام عندما علمت هي من إحدى صديقاتها بأن هناك واحدة معجبة به وتريد الحديث معه ، ما كان منها إلا أن أصبحت تمسك يده كلما تراها مقبلة عليهم ، وتنظر إليها نظرة مشبعة بالتحدي ، ربما كانت هكذا تتكلم معها بـ ((اللغة الأنثوية)) قائلة لها :
- إنه لي وحدي .......

وتظل ممسكة بيده تراقبها ، حتى تكمل طريقها وترحل لتشيعها بنظرات مليئة بنشوة الانتصار والسعادة ، وتلتفت إليه وتقول : "أنت لي .. أنا فقط" ، فيبتسم وهو يرى ذلك الاصرار عليه والتمسك به في عينيها .

وتذكر حينما سألها ليستفز غيرتها :
 - ماذا لو قدمت إحداهن بحضورك وقالت لي بأنها معجبة ، وأرادت الحديث معي ، ماذا ستفعلين عندها؟
- بدفنها !!!!!!!!
مع أن إجابتها كان مفاجئة له ، بل وصادمة أيضاً ، إلا أنه طار فرحاً بتلك الغيرة العجيبة عليه ....

سرت في جسده رعشة برد ، أيقظته من تلك الذكريات ، ااه كم يشتاق لغيرتها أيضا ....................

*********************************************
((4))

توقف عن السير قليلا وأشعل سيجارة ، وبدأ يتأمل دخانها وهو يتبدد ، هكذا بدأ حبهما ، بدأ عظيماً كسحابة دخان كبيرة ، سرعان ما تتبدد ولم يعد لها أي أثر ، حتى سيجارته تلك ذكرته بها ، تذكر عندما كانت كلما يشعل سيجارة تبدأ بتصنع السعال لكي يطفئها ، تذكر عدد المرات التي أخذت منه علبة سجائره خلسة وخبأتها كي لا يدخن ، اه لو أنها تراه هذه الأيام ، فهو بمجرد أن يصل بيته ، يدخل إلى غرفته ليجلس بين سجائره ومنفضة أحلامه ، تائهاً في صحراء الذكريات ......

ولكن لحظة ،،
 ما الذي أتى به إلى هنا ؟؟

لقد كان ينوي الذهاب مباشرة إلى بيته ، ترى هل تاه عن طريقه أم أن تفكيره الذي تاه ؟؟

كان قد عاهد قلبه على النسيان ، ولكنه حنث بعهده رغماً عنه ، فها هو يعود للتجول في الأماكن التي شهدت على حبهما ، مستذكراً حبه لها ، وأدق تفاصيل المواقف التي حصلت برفقتها ، ليعاود إضرام نار الفراق في قلبه ، نار حرقته مراراً وها هي تعاود الكرة وتجتاح قلبه من جديد ، نظر إلى ساعته فوجد الوقت قد تأخر كثيراً ، حمل جرحه وما بقي من قلبه ، وأدار ظهره إلى تلك الشوارع ومضى إلى بيته ................

*********************************************
** تمت **

الفيل والإدارة // محمد عمار ياسين

يحكى أن فيلاً تولّى إدارة الغابة ، ثم جمع حوله الجميع وعلى رأسهم الجرذان ، وألقى فيهم خطاباً خالداً رناناً ، قائلاً : أنا الأكثر...